القلب.. غمد الذكريات، والعضلة الضاخّة للدم، الأكثر إثارةً للمشاكل والقلاقل عبر التاريخ البشري. إذ لطالما ظنّ الإنسان البدائي في مراحل تكوّن وعيه الأولى، ومن ثم عندما بدأ يتلمّس دربه على طريق المعرفة، أنّ القلب هو مركز التفكير ومَنبت العواطف.. إضافةً إلى سائر العمليات الأخرى المُهمة.
تبنّت الكثير من الثقافات والشعوب على اختلاف مذاهبها هذه النظرية المغلوطة، حتى جاء العلم الحديث، حاملاً معه الأشعة السينية والرنين المغناطيسي، والمنهج الدقيق في الرصد والمتابعة، ليوجه طعنةً صميميةً نحو كبرياء الإنسان القديم، مُنزلاً القلب عن مكانته بوصفه العضو الأهم في الجسم، بعد أن تخلى عنها لصالح الدماغ، بنصفي كُرتيه المخيتين. إلا أن الإنسان لم يتخلَ عن ذلك بسهولة، ولا زال يُعتقَد إلى وقتنا الحالي بأهمية القلب، وضرورة الاعتناء والاهتمام به، لدرجة أن هناك يومٌ عالمي خاص بهِ يصادف اليوم!
كأي إنسانٍ مُحبٍ لشيء ما، لا بد أن يبدي تجاهه علامات الاهتمام والود والعناية، ولعل صحة القلب أولويةٌ ذات قيمةٍ عليا في هذا الجانب. صحيح أن الدماغ مركز التعقّل، إلا أن القلب أيضاً لا يزال العضلة الضاخة للدم الأهم في الجسم، ولولاها يموت الإنسان من فوره. لذلك، ولكي يغدو القلب في شبابٍ دائم، لا بد من الحفاظ عليه، وتأمين سبل نشاطه والخير تجاهه، وسنذكر في هذا المقال بعضاً منها، لعلنا نحافظ عليه شاباً في مواجهة منغصات الزمن.
النظام الغذائي.. تناول دهونًا صحية
يحتاج الجسم البشري إلى الدهون، سواءً كانت أحاديةً أم متعددةً، مشبعةً أم غير مشبعةٍ، لكن ما لا يحتاجه الجسم ويؤثر عليه سلباً، هي تلك الدهون المتحوّلة التي تزيد من أمراض القلب ومخاطر الإصابة بالتجلطات الدموية.
ذلك لأن الدهون المتحولة تساهم في رفع مستوى الكوليسترول السيء في الدم LDL، مما يزيد من احتمالية تشكل الخثرات داخل الأوعية الدموية، فتحدث التجلطات والسكتات الدماغية. ربما يتساءل البعض الآن، ما هي الدهون المتحولة؟ هي تلك الدهون المنتجة صناعيًا، وتُستخدم ضمن الأغذية المعلبة، والأطعمة السريعة، والبطاطا المقلية، لإضافة النكهة والمذاق عليها. كنصيحة سريعة، حاولوا قراءة المكونات الغذائية قبل شرائكم الطعام، إذ تكون تلك الدهون متواجدةً في خانة “الزيوت المهدرجة جزئيًا” وتأكدوا من أن نسبة الدهون المتحولة تساوي الصفر.
نظّف أسنانك.. للقلب علاقة مع اللثة!
من المهم الاعتناء بالأسنان، والحفاظ على صحةٍ سنيةٍ جيدةٍ، إذ تُعد صحتها علامةً تُشير إلى صحة الجسم بشكلٍ عام، وأحيانًا صحة القلب أيضًا بشكلٍ خاص. تشير الدراسات إلى أنّ العوامل المؤهبة لحدوث أمراض اللثة، هي نفسها العوامل التي تؤهب لحدوث أمراض القلب. إذ وجدت الدراسات أن البكتريا الموجودة في الوسط الفموي والتي تسبب الأمراض اللثوية، بإمكانها الانتقال عبر المجرى الدموي، رافعةً بذلك نسبة البروتين المتفاعل سي؛ الذي يشكل علامةً على حدوث التهابٍ في الأوعية الدموية. وبالتالي، قد ترفع ربما هذه التغييرات، من خطر الإصابة بأمراض القلب والتجلطات، لذلك لا بد من الاهتمام بالصحة الفموية، وخصوصاً اللثة؛ تجنبًا لانتقال ميكروباتها نحو القلب والمجرى الدموي بشكلٍ عام.
القسط الكافي من النوم
النوم جزءٌ لا غنى عنه ضمن تركيبة الإنسان، وهو مهمٌ أيضاً لصحة القلب وعمله بشكلٍ جيد، فإن كنت لا تنام بشكلٍ جيدٍ ولا تأخذ القسط المستحق من الراحة، فأنت أكثر عرضةً للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بغض النظر عن عمرك وعاداتك الصحيّة الأخرى.
إذ وجدت دراسةٌ لحوالي 3000 شخصٍ تفوق أعمارهم الـ 45 عاماً، أن أولئك الذين ينامون أقل من ست ساعاتٍ كانوا أكثر عرضةً للإصابة بالسكتة الدماغية والجلطة القلبية، بالمقارنة مع أولئك الذين ينامون من 6 إلى 8 ساعات. كما يعتقد الباحثون أن للنوم القليل ارتباطٌ مع العديد من الالتهابات واضطرابات ضغط الدم. لذلك غالبًا ما يُنصَح بالنوم من 7 – 8 ساعات، للحفاظ على صحة القلب والجسم بشكلٍ عام.
لا تجلس لفترة طويلة
وجد الباحثون في الفترات الأخيرة، أنّ الجلوس لمدةٍ طويلةٍ قد يُضِر بصحة الجسم، بغض النظر إن كنت تمارس التمارين الرياضية، وهذا ما قد يُشكل خبراً سيئاً لأولئك الذين يعملون بوظائف ثابتة مكتبية طيلة اليوم!
عند النظر على نتائج الدراسة التي أُجريَت على 800000 شخص، وجد الباحثون أن أولئك الذين كانوا أكثر جلوساً، كانوا عُرضةً للإصابة بالأمراض القلبية الوعائية بنسبة 147%، وأكثر عُرضةً للموت بنسبة 90%.ةكما أن الجلوس الطويل، لا سيما في أوقات السفر، يساهم في زيادة نسبة تشكّل التجلطات في الأوردة العميقة الداخلية. لذلك ينصح الأطباء في غالب الأحيان بالإكثار من الحركة خلال اليوم، سواءً من خلال التمرينات الرياضية أو التنزه والجري أحيانًا.
تجنّب التدخين السلبي
تُظهِر الدراسات أن خطر الإصابة بأمراض القلب، يزيد بنسبة 25 – 30% عند أولئك الذين يتعرضون للتدخين السلبي في المنزل أو العمل (ملاحظة: التدخين السلبي هو استنشاق الهواء عند الجلوس بجوار أحد المدخنين في نفس المكان).
وفقًا للجمعية الأمريكية للقلب، يساهم التعرض للدخان الناتج عن احتراق التبغ، في حدوث حوالي 34 ألف حالة وفاةٍ مبكرةٍ، ناتجةً عن أمراض القلب، كما يساهم بحصول 7300 وفاة، ناتجةً عن حدوث سرطان الرئة في كل سنة. تزيد هذه الاحتماليات مع كون أولئك الذين يتعرضون للتدخين السلبي، مصابين بأمراض ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول في الدم. ذلك لأن المواد الكيماوية المنبعثة من السجائر، تساهم في تعزيز الترسيب ضمن الأوعية والشرايين الدموية.
لذلك ينصح الأطباء بالابتعاد عن المدخنين، لا سيما الأطفال، والحرص على تهوية المكان في حالة التواجد. يجب الاهتمام بصحة الجسم عمومًا وصحة القلب خصوصًا، كما يجب الاهتمام بالروتين اليومي وممارسة الرياضة بشكل منتظم للحفاظ على جسم صحي وقلب قوي.