النوم الصحي

قد يكون النوم العملية الحيوية الأكثر صحةً وتجديدًا لنشاط الجسم وصاحبه بشكلٍ عام، إذ يُشكل فرصةً لإعادة شحن الطاقة، وترتيب الأوراق والتئام ما قد تعرّض له الجسم من جروح نفسية وجسدية خلال اليوم. لذلك كان لا بد من مساحةٍ قد تُشكل نصف اليوم المكوّن من 24 ساعة، لتكون من نصيبه، لتنطفئ شمعة الوعي المتقدة في جسم الإنسان قليلًا، ويرتاح بعد عناء وجهد دام طويلًا. لذلك كان النوم الصحي، وكانت فوائده الهامة التي تؤثر من نواح متعددة على صحة الإنسان. ولعلنا هنا، نذكر شيئًا منها..

النوم يحسّن التركيز

يؤثر النوم على الوظائف الدماغية من عدّة جوانب، لا سيما تلك المتعلقة بالإدراك والتركيز والإنتاجية، والأداء بشكلٍ عام.

إذ تتراجع كل هذه الوظائف، بمجرد الحرمان من النوم وعدم نيل قسطٍ وافٍ من الراحة، ولعلَ أحد الدراسات الإحصائية التي شملت الأطباء العاملين في المشافي، وجدت أنّ أولئك الذين يعملون لمدةٍ تفوق الـ 24 ساعةً دون راحة، كانوا أكثر عرضةً لارتكاب أخطاءٍ خطيرةٍ بنسبة 36% من أولئك الذين كانوا ينامون وينالون قسطاً من الراحة.

كما وجدت دراسةٌ أخرى أن النوم القصير يؤثر على وظائف الدماغ بشكلٍ مشابهٍ لتأثير التسمم بالكحول.

في حين وُجِدَ أن النوم يحسن القدرة على التذكّر وحل المشكلات لدى كلٍ من الأطفال والبالغين.

النوم الجيد يحرق الوزن!

يرتبط النوم بشدّة مع زيادة الوزن، حيث تكون العلاقة مع قصر ساعاته طردية، وتُعد ساعات النوم القليلة من أكثر العوامل التي تُسبب السمنة. 

في دراسةٍ واسعة النطاق كانت قد أُجريت، وَجَدَ الباحثون أن الأطفال كانوا أكثر عرضةً للإصابة بالسُمنة بنسبة 89%، في حين أن البالغين كانت نسبتهم 55%، وذلك في حالات النوم القصير،

فقد رأى الباحثون أن النوم يؤثر على السمنة من خلال عدة عوامل، أبرزها الهرمونية والتحفيز على التمرين وممارسة الرياضة.

لذلك، إن كنت تحاول إنقاص وزنك، فإن النوم الوفير هو الحل المثالي، فالأشخاص المحرومون من النوم يمتلكون شهيةً أكبر وغير منظمةٍ، فيميلون لالتهام سعراتٍ حراريةٍ أكبر.

حيث يُلاحَظ ارتفاع هرمون الغريلين، وهو المسؤول عن تحفيز الشهية، في حين يقل هرمون اللبتين؛ المسؤول عن تثبيطها.

النوم الصحي يحسن اللياقة الرياضية

  • يدفع النوم الأداء الرياضي نحو ذروته، إذ وَجدَت دراسةٌ على لاعبي كرة السلة، أن النوم الجيد، يُحسن من السرعة والدقة، وردات الفعل، والصحة العقلية لدى اللاعبين.
  • في حين ارتبطت فترات النوم القليلة مع الإهمال الرياضي، والشيخوخة عند النساء كبيرات السن.
  • كما وجدت دراسةٌ على 2800 امرأة، أنّ الحرمان من النوم وقلته مُرتبطٌ مع المشي بشكلٍ بطيء، والوهن في قبضة اليد، والصعوبة في أداء الأنشطة المختلفة.

النوم السيء يضر بالقلب

قد تتعدى التأثيرات المترتبة على النوم القصير المزاج السيء والذاكرة الضعيفة، لتصل إلى مستوى خطيرٍ يُهدد صحة الإنسان، الأمر الذي يشمل الأمراض المزمنة المستعصية، وأمراض القلب. وجدت مراجعةٌ لـ 15 دراسة، أن أولئك الذي ينامون بشكلٍ قليلٍ، كانوا أكثر عرضةً للإصابة بالأمراض القلبية والتجلّطات، بالمقارنة مع أولئك الذين ينامون من 7 – 8 ساعاتٍ يوميًا.

النوم السيء يسبب السكري

وُجد تجريبيًا، أن الحرمان من النوم يرتبط مع ارتفاع سكر الدم، وانخفاض الحساسية للأنسولين، إذ لاحظت دراسةٌ على مجموعةٍ من الرجال الأصحاء كانوا قد حُرموا من النوم بمقدار 4 ساعاتٍ لمدة 6 أيام، أنهم بدؤوا بالشعور بالأعراض المبدئية لمرض السكري، وقد اختفت هذه الأعراض بعد أسبوع، في حال تحسن النوم. هذا ليس أمرًا محدودًا على فئة بعينها، بل هو عام، إذ ترتبط ساعات النوم القليلة مع التأثيرات السيئة على نسبة السكر في الدم، فأولئك الذين ينامون لمدة أقل من 6 ساعاتٍ يومياً، معرضون أكثر للإصابة بمرض السكري من النمط الثاني.

النوم التعيس يسبب الاكتئاب

يرتبط النوم التعيس وساعاته القليلة المتفرقة، مع الإصابة بالاضطرابات النفسية، ولعل الاكتئاب في مقدمتها، إذ تُشير التقديرات أن 90% من أولئك الذين يعانون من الاكتئاب، كانوا يشتكون أيضًا من اضطراباتٍ في النوم، لهذه الاضطرابات أيضاً علاقة مع الموت من خلال الانتحار، إذ ترتفع عند الحرمان منه. كما وجدوا أن أولئك الذين يشتكون من الأرق المرضي واضطراب انقطاع التنفس أثناء النوم، كانوا يعانون من الاكتئاب بشكلٍ أكبر من غيرهم.

النوم يحسن المناعة، ويقلل الالتهاب!

ثبتَ أن قلة النوم تُسبب ضعف الوظيفة المناعية في جسم الإنسان، إذ رصدت دراسةٌ كبيرةٌ امتدت لفترة أسبوعين، أعطوا المشاركين فيها قطرات أنفٍ حاويةٍ على فيروس البرد المتعارف عليه، أنّ أولئك الذين ناموا أقل من 7 ساعات كانوا عرضةً بثلاث مراتٍ وأكثر للإصابة من أولئك الذين ناموا لمدة 8 ساعاتٍ وأكثر. إضافةً لذلك، فإن للنوم تأثيرٌ على مدى حدوث الالتهاب في الجسم أيضاً، كما ترتبط ساعات النوم القليلة مع الاضطرابات طويلة الأمد في السبيل الهضمي، لا سيما تلك التي تُعرف باسم مرض التهاب الأمعاء.

وقد لاحظت إحدى الدراسة التي راقبت المرضى المصابين بداء كرون -مرض التهابي يصيب الأمعاء ويسبب الإسهال وألم البطن وسوء التغذية- أنّهم كانوا أكثر عرضةً للمرض والانتكاس، مقارنةً مع أولئك الذين كانوا ينامون بشكلٍ جيد. لذلك يوصي الباحثون بإجراء تقييمٍ للنوم، في حال كان هناك مشاكل واضطراباتٌ التهابيةٌ طويلة الأمد.

النوم يؤثر على الحياة الاجتماعية والعاطفية

عندما لا تنام بشكلٍ جيدٍ، من الطبيعي أن تفقد لياقتك الاجتماعية وقدرتك على التفاعل مع الناس. وهو الأمر الذي أكّدته العديد من الدراسات. حيث وجدت إحدى الدراسات أنّ الأشخاص الذين لم يناموا بشكلٍ جيد، كانت لديهم قدرة سيئة على قراءة تعبيرات الغضب والسعادة عند الآخرين. كما يعتقد الباحثون أن للحرمان من النوم علاقةٌ مع الفشل في معالجة المعلومات العاطفية والتقاط التلميحات الاجتماعية. في النهاية، لا يمكننا سوى القول أنه إلى جانب الرياضة والنظام الغذائي المتوازن، فإن النوم هو أحد أهم أركان الصحة، ولا يمكن الوصول إلى العافية الكاملة بدونه أبدًا.

التعليقات معطلة.