يحتفل العالم في 12 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للتغطية الصحية الشاملة، فما هو مفهوم التغطية الصحية؟ وكيف يمكن تعزيزها ودعمها؟ وما الحاجة إليها؟ يشير مصطلح التغطية الصحية الشاملة لضمان حصول الناس على الرعاية الصحية في أي مكان أو زمان يحتاجون فيه إليها دون أن يشكل ذلك صعوبات مالية عليهم، وتشمل التغطية الصحية مجموعة متكاملة من الخدمات اللازمة من تعزيز الصحة إلى الوقاية والعلاج وإعادة التأهيل ويعد تحقيق التغطية الصحية الشاملة من الأهداف المشتركة لجميع شعوب العالم لإنهاء آثار الفقر على القطاع الصحي وزيادة الإنصاف في توزيع الخدمات الطبية وتحقيق الازدهار المشترك.
تحرك عالمي نحو التغطية الصحية الشاملة
تعد الصحة جزءًا أساسيًا من أهداف التنمية المستدامة، فمن أهم أهداف التنمية المستدامة تحقيق تغطية صحية شاملة، بما في ذلك الحماية من المخاطر المالية، والوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية الجيدة، وإمكانية حصول الجميع على الأدوية واللقاحات الأساسية الآمنة والفعالة مع تمتّعها بجودة عالية وأسعار معقولة، إذ تشكل النفقات الصحية أعباءً مالية كبيرة على 90 مليون شخص تقريبًا حول العالم كل عام.
يعد الوصول إلى رعاية صحية أولية عالية الجودة بتكلفة مقبولة الهدف الأساسي في التغطية الصحية الشاملة، ولكن لا يزال الكثير من الناس حول العالم يكافحون من أجل تلبية احتياجات الرعاية الصحية الأساسية الخاصة بهم، وغالبًا ما يتم تجاهل الصحة النفسية، مع أنها عنصر مهم في التغطية الصحية الشاملة، لأنها تلعب دورًا أساسيًا في قدرة الناس على عيش حياة سعيدة.
اكتسبت التغطية الصحية الشاملة في السنوات الأخيرة زخمًا عالميًا، مع عقد أول اجتماع رفيع المستوى للأمم المتحدة بشأن إطلاق مشروع التغطية الصحية الشاملة في سبتمبر 2019. اعتمد الإعلان بالإجماع من قبل الدول الأعضاء، مؤكدين على التزامهم بالتغطية الصحية الشاملة وتحديد الخطوط العريضة لعدد من الإجراءات اللازمة.
كما وقّع 12 مشتركًا، بما في ذلك مجموعة البنك الدولي، خطة العمل العالمية من أجل حياة صحية ورفاهية للجميع لدعم البلدان بشكل مشترك في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وفي يناير 2020، عُقد المنتدى الثاني للتغطية الصحية الشاملة في بانكوك، بهدف تعزيز الدعم السياسي بشأن التغطية الصحية الشاملة في المحافل الدولية.
توفير رعاية صحية أولية عالية الجودة وبأسعار معقولة
يمثل توفير خدمات صحية جيدة وبأسعار معقولة للمجتمع ولا سيما للنساء والأطفال والمراهقين والأشخاص المصابين بأمراض نفسية، استثمارًا طويل الأمد في رأس المال البشري. تُعد خدمات الصحة الأولية عنصرًا أساسيًا في التغطية الصحية الشاملة، ومع ذلك تحذر الأبحاث من أنه إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فسيصبح 5 مليارات شخص غير قادرين على الحصول على الرعاية الصحية في عام 2030.
من جهة أخرى لا تزال معدلات وفيات الأمهات والأطفال مرتفعة في أجزاء عديدة من العالم، إذ لا يمكن لأكثر من ربع الفتيات والنساء في أفريقيا الحصول على خدمات تنظيم الأسرة، ما يزيد حالات الحمل غير المخطط لها ووفيات وأمراض الأمهات والرضع والأطفال.
أنشأت مجموعة البنك الدولي وشركاؤها في عام 2015 صندوق التمويل العالمي (GFF)، وهو مبادرة خدمية تركز على مساعدة البلدان لتحسين الخدمات المتعلقة بصحة الأمهات والأطفال والمراهقين.
التحديات الرئيسية
العديد من البلدان التي تشهد نموًا سكانيًا سريعًا تملك فئة الشباب التي يمكنها دفع النمو الاقتصادي والحد من الفقر، ولكن لتحقيق الاستفادة القصوى من فئة الشباب، يجب على البلدان الاستثمار في صحة ورفاهية شعوبها لبناء رأس المال البشري وتعزيز النمو الشامل. يعد تحسين الصحة الإنجابية وصحة الأمهات والرضع والأطفال والمراهقين ومعالجة اضطرابات الصحة النفسية أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق التغطية الصحية الشاملة. وهناك بعض التحديات الرئيسية القائمة، من بينها:
وفيات الأمهات:
تشير الدراسات أن معظم وفيات الأمهات في العالم تحدث في المناطق النامية، ويبلغ متوسط خطر وفاة الأمهات 1 من كل 56، مقارنة بمعدل 1 من كل 7800 في البلدان مرتفعة الدخل مثل أستراليا ونيوزيلندا. يمكن الوقاية من معظم هذه الوفيات إذا تمكنت المرأة الحامل من الوصول في الوقت المناسب إلى الرعاية الصحية التي تحتاجها.
وفيات الأطفال:
وفقًا لتقرير مشترك نشرته مجموعة البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية واليونيسيف في عام 2020، انخفضت معدلات وفيات الأطفال دون سن الخامسة بأكثر من النصف من 12.5 مليون وفاة إلى 5.2 مليون وفاة بين عامي 1990 و2018، ومع ذلك، فإن فرصة الطفل في البقاء على قيد الحياة لا تزال تعتمد على مكان ولادته.
يموت 15000 طفل دون سن الخامسة كل يوم في جميع أنحاء العالم، فمثلًا في أفريقيا يموت طفل واحد من بين كل 13 طفلًا قبل بلوغه سن الخامسة مقارنةً بطفل واحد من بين كل 199 طفل في البلدان الأوروبية.
تعاونت مجموعة البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية واليونيسف أيضًا في إصدار منشور آخر في عام 2020 يسلط الضوء على ولادة الجنين ميتًا، وهي قضية لا تزال مهملة إلى حد كبير. يولد 2 مليون طفل ميتًا في جميع أنحاء العالم في كل عام، ولم يواكب التقدم الطبي في خفض هذه الأرقام، ففي عام 2000 كانت نسبة المواليد الموتى إلى وفيات الأطفال دون سن الخامسة 0.30، وارتفعت بحلول عام 2019 إلى 0.38 في جميع أنحاء العالم. ارتفع عدد المواليد الموتى من 0.77 مليون في عام 2000 إلى 0.82 مليون في عام 2019 في أفريقيا.
ارتفاع معدل الخصوبة:
على الصعيد العالمي تنجب النساء عددًا أقل من الأطفال اليوم عما كان عليه قبل ثلاثة عقود. ومع ذلك، لا يزال هناك عدد قليل من البلدان ذات خصوبة مرتفعة جدًا مثل النيجر ومالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية. تواجه البلدان ذات الخصوبة المرتفعة بشكل مستمر أعباءً ثقيلة بسبب وفيات الأمهات والرضع والأطفال.
زواج القاصر:
ترتفع معدلات الزواج لدى المراهقات في العديد من الدول كما في إفريقيا، ومن المرجح أن تتعرض الأمهات القاصرات لمضاعفات بسبب الحمل مثل الولادة العسيرة والانسمام الحملي، ما يزيد من مخاطر وفاتهن. الأطفال الذين يولدون من أمهات قاصرات هم أكثر عرضة لانخفاض الوزن عند الولادة، واعتلال الصحة، والقزامة، وغير ذلك من النتائج المتعلقة بالتغذية السيئة.
الاضطرابات النفسية والعصبية وتعاطي المخدرات:
ترتبط هذه الاضطرابات الشائعة بوفيات مبكرة كبيرة وتتسبب في خسائر بشرية واجتماعية واقتصادية. ينتحر شخص ما في مكانٍ ما في العالم كل 40 ثانية.
تحقيق أهداف التغطية الصحية الشاملة
لتحقيق أهداف التغطية الصحية الشاملة بالكامل، يجب دمج برامج الصحة النفسية مع تقديم الخدمات على مستوى المجتمع وتغطيتها بموجب ترتيبات مالية معينة. تشير التقديرات إلى أن ما يقارب من مليار شخص حول العالم يعانون من اضطرابات نفسية، وفي البلدان منخفضة الدخل لا يتلقى أكثر من 75% من المصابين بهذه الاضطرابات العلاج المناسب، ويعاني حوالي 20% من الأطفال والمراهقين في جميع أنحاء العالم من نوع من الاضطرابات النفسية.
في البلدان المتأثرة بالحروب والصراع والعنف، يعاني أكثر من واحد من كل خمسة أشخاص من اضطرابات في الصحة النفسية. النساء والأطفال الذين عانوا من العنف والجنود العائدون من الحرب والمهاجرون واللاجئون النازحون بسبب النزاع والفقراء وغيرهم من الفئات الضعيفة في المجتمع تتأثر بشكل كبير. كما تسببت جائحة Covid-19 في زيادة عالمية في اضطرابات الصحة النفسية بسبب عوامل مختلفة بما في ذلك القلق والحجر الصحي وفقدان الوظائف، مع تعطيل أو حتى إيقاف خدمات الصحة النفسية في 93% من البلدان في جميع أنحاء العالم.