النفس ومشاكلها، مجالٌ مطاطٌ وصعب الضبط إلى حدٍ كبير، فعندما نتكلم عن الجهاز الهضمي نعني بذلك المعدة والأمعاء وملحقاتها، وعندما نتكلم عن جهاز الدوران، فإننا نتحدث عن القلب وأوعيته الدموية وشرايينه، وعندما نتكلم عن الأعصاب، نقصد الدماغ والنخاع الشوكي. أما النفس فما هي؟ وكيف نعالج المشاكل النفسية ونقلل من الضغوط والتوتر وتخفيف الضغط النفسي، إن لم يكن لدينا مصطلح مرجعي يصف ماهية النفس من أساسها؟ تدور مثل هذه النقاشات في مجال فلسفة العلوم، وتدور الأجوبة بين أخذ ورد وتجاذبات بين الكثير من الأطراف، لدرجة أن هناك بعض المذاهب اتجهت لنكران وجود النفس خارج حدود البيولوجيا البشرية، في حين دعا البعض إلى الروحانية والتصوف بشكلٍ كبير.
أيًا كانت النفس وماهيتها، لا بد من أننا نتعامل -بشكلٍ ما- مع ملحقاتها، بما تشمله من إرهاق وتعب وضغوطات تعتري يوميات الحياة. لذلك، كان لا بد من يوم للصحة النفسية في كل عام، وتوصيات لتخفيف التوتر في جُل البيئات الممكنة، لا سيما بيئة العمل، حيث يوجد الكثير من الموظفين المنتجين. بما أن الضغوطات تسبب ضعف الأداء والإنتاجية، كان لا بد من خطوات بسيطة تُخفف من تلك العقبات، حتى يُتاح العمل براحةٍ تامة، دون أن يشعر مَن يعمل أنه يعمل أساسًا.
الحرص على بيئة عمل حميمة
الحرص على تأمين بيئة عملٍ تحفيزيةٍ، صفقةٌ رابحةٌ على عدة أصعدة، لا سيما أن راحة الموظف تعني سعادته، وسعادته تعني أنه سيعمل بشكلٍ أكثر كفاءةً وأغزر إنتاجية، حينها يعود النفع على المؤسسة العاملة، وعلى الفريق المُدير بشكلٍ عام.
ولعل في رأس قائمة بيئة العمل المحفزة على الاستمرار، هي تلك الإجراءات الصغيرة التي تُشكّل فروقاً جوهرية، ومنها:
- تشجيع الموظفين على المشي أو الهرولة خلال استراحة الغداء.
- تحفيز الموظفين للاشتراك بالأندية الرياضية.
- ممارسة التأمل في مكتب العمل مرةً في الشهر، أمرٌ لا بأس به.
- تقديم وجباتٍ سريعةٍ صحية.
وأشياء أخرى قد تكتشفها بنفسك! بهذه الطريقة يقل الضغط ويشعر الموظفون بتقديرٍ عالٍ عندما يرون بيئة العمل تحترمهم وتخاف على صحتهم النفسية والجسدية، لذلك لو أردت زيادة إنتاجية من يعملون معك، فاحرص على صحتهم النفسية والجسدية!
الحرص على تبديل الأمكنة
أن تكون مُحاصراً بين الجدران والمكاتب والكراسي نفسها لمدةٍ قد تصل لـ 8 ساعاتٍ كل يوم أمرًا مثيرًا للرتابة، ومن الطبيعي أن تجد الموظف يتململ من بيئة العمل، ولربما يكرهها حتى، ولا يبني معها ارتباطاً عاطفياً يعينه على إنجاز الأعمال الموكلة إليه.
لذلك، كانت دائماً الحاجة مُلحة لتغيير بيئة العمل باستمرار وتبديلها، وابتكار ما هو جديدٌ فيها، فلا بد أحياناً من تغيير طلاء الجدران ليبعث البهجة في النفوس، ولا بد أحياناً من تبديل المقاعد لتكون مريحةً بشكلٍ أكبر، ويمكن أيضًا توسيع المكان وتكبير المساحة، بحيث يكون هناك متسعٌ للمشي بين كل موظفٍ وموظف، وأفكار أخرى على هذه الشاكلة..
تساهم هكذا أفعال في تقليل الضغط والتوتر وتحسّن الصحة النفسية، وترفع من أداء الموظف بشكلٍ عام.
السماح بساعات عمل أقل، أو عن بعد
الاستهتار أمرٌ مُشينٌ ومستنكرٌ لدى الجميع، لكن المرونة والسماح ببعض التعديلات في بعض الأوقات الحساسة قد يكون محبباً، ويترك بصمةً كبيرةً لدى الموظفين أو زملاء العمل.
السماح بساعات عملٍ أقل، أو العمل عن بعد عندما يكون الحضور الشخصي صعباً، تقع ضمن المرونة التي ينبغي على رئيس العمل تحقيقها، بغية تخفيف الضغط النفسي والتوتر عنه وعن الموظفين العاملين.
أن تكون بيئة العمل وكأنها زنزانةٌ أمرٌ مُضرٌ على المدى القصير والبعيد، فالإنتاجية تنخفض عندما يجد الموظف نفسه محاطاً ضمن جدرانٍ كئيبةٍ كأنها قبر.
لكن عندما تكون هناك تغييراتٌ مستمرةٌ كما قلنا سابقاً، إضافةً للمرونة التي يتمتع بها العمل ومُديروه، حينها تقل الضغوطات والتوترات، وتكون النتائج المرجوة في أوجها الأقصى.
نعم لكسر الحواجز.. لا بأس بالتفاعلات الاجتماعية
لنتفق أن العمل ليس نظاماً عسكرياً، ولا يشبه الجامعات والمدارس التقليدية حيث من الممنوع الحديث مع الزملاء أو التفاعل معهم أثناء أداء الواجب.
يتطلب العمل الدقة والإتقان، نعم.. لكن بعض التفاعلات الاجتماعية مع الزملاء التي تساهم في كسر الحواجز وتوطيد الأواصر ضمن البيئة المكتنفة بالضغوطات أمرٌ لا بد منه، ويُحسن من جودة ورفاهية كل مَن يعمل ضمن المكتب.
الحرص على وجود فترة راحة
سيحصل التوتر والإجهاد في جميع الأحوال، إلا أن الهدف المنشود من كل ما يُكتب في هذا الجانب هو تخفيفه إلى الحد الأدنى، والعمل على عدم ارتفاعه إلى مستوياتٍ مُضرة سامة.
تُظهر بعض الأبحاث، أن حوالي 80% من الموظفين يفضلون العمل في وظائف تحتوي على فترة راحة لتخفيف التوتر، ولعل تمثيلات هذه الفترة قد تختلف من مكانٍ لآخر، فقد تكون مقعداً مُطلاً على حديقةٍ ما، أو قيلولةً صغيرةً تعيد نشاط الجسم، أو حتى غرفة في مكتب العمل نفسه، لكنها تكون مخصصةً للتفريغ وإعادة إنعاش النفس.
ربما تحتاج مثل هكذا أفكار لميزانيةٍ لا بأس بها لدى مكتب العمل، إلا أنها فكرةٌ تستحق هذا العناء، وتساهم في رفع مستوى الموظف وتُخفف عنه الضغط والتوتر الحاصل.
علّمهم كيف يرتاحوا
الكثير من الموظفين لا يعرفون كيف يرتاحوا ويقللوا من الضغط النفسي الحاصل عليهم، ولربما يتجاهل صاحب العمل ذلك، ويرغب في تحميلهم ما هو أكثر من طاقاتهم، كونهم لا يشتكون ولا يعرفون كيف يفرغون تلك الشحنات المجهدة المتواجدة لديهم.
لذلك كان لا بد من حركةٍ ذكيةٍ تحوي كمًا كبيراً من الفهم العاطفي، تتمثل بأن يُعلّم صاحب العمل موظفيه كيف يريحون أنفسهم.
لا بأس من ترك العمل قليلاً وأخذ نزهةٍ صغيرةٍ للمشي ثم العودة، الأمر سيحسن من نفسية الموظف، ومن جودة العمل أيضاً، عندما يعود من نزهته أكثر نشاطاً وأكثر استعداداً لتنفيذ ما ينبغي فعله.
أخيرًا.. لا بأس من تقدير موظفيك
عندما يكون الإنجاز مرتفعاً، والأمور تسير في نصابها، حينها لا بد من وقفةٍ مع إحصاءات العمل وبياناته، لتستشف من هو الذي أنجز ومن هو الذي تقاعس، ويهمنا هنا كثيرًا تقدير الذين أنتجوا بشكلٍ جيد، وقدموا جهدًا لا بأس به. مثل هكذا أفعال، تجعل من الموظف ينسى جهده وينطلق من جديد للعمل.
لا تبخس من قيمة الرسالة أو الإيميل، أو حتى الكلمة الشفوية المباشرة عندما تكون موجهةً لموظفٍ كان قد أُجهِد على مدار شهر وربما شهور، فتخرج شكرًا لك على المجهود، لتخفف من ضغطه، وتجعله ينسى كل التوتر كأنه لم يوجد أصلًا.