يعمل الجهاز المناعي طوال الوقت دون توقف على حماية الجسم من جميع الكائنات الغريبة عنه مثل الجراثيم والفيروسات والفطور والطفيليات، وحتى الخلايا السرطانية في داخل الجسم. يختلف الجهاز المناعي عن أعضاء الجسم الأخرى من القلب والرئتين والكبد والدماغ بكونه غير محصور في جزء معيّن من الجسم. إنّما يغطي بانتشاره وامتداده كامل الجسم بهدف حمايته في كل حدوده. سنستعرض في هذا المقال أهم الأفكار والنصائح حول الجهاز المناعي وكيفية الحفاظ عليه قويًّا للتمتّع بحياة صحية ونشيطة.
ممّ يتكوّن الجهاز المناعي؟
يزِن الجهاز المناعي عند الشخص البالغ نحو اثنين كيلوغرام. ويتألف من شبكة طويلة ومعقّدة من الأوعية اللمفية التي تمتدّ على كامل الجسم، تنتقل عبرها ملايين الخلايا المناعية، وتتجمّع في محطات خاصة بها موزعة على كامل امتداد الشبكة اللمفية تسمى العقد اللمفية، حيث تتبادل الخلايا المناعية المعلومات حول الكائنات الغريبة التي تحاول الدخول إلى الجسم، بالإضافة إلى أعضاءٍ مناعية متخصّصة مثل الطحال وغدة التّيموس ونقي العظام الذي يعمل باستمرار على إنتاج الخلايا المناعية.
يبلغ تعداد الخلايا المناعية المؤلفة للجهاز المناعي نحو تريليون (10¹² = 10000000000000) خلية مناعية، تنتج هذه الخلايا بروتينات متخصّصة تسمى الأجسام الضدية التي تهاجم الكائنات الغريبة، وتساعد الخلايا المناعية على القضاء عليها ويبلغ تعدادها في كامل الجسم 100 مليون تريليون (10²⁰) جسم ضدي. يساندها جهاز المُتمّمة، وهو مجموعة من البروتينات التي ينتجها الكبد باستمرار تطفو في الدم وتنشط عند تعرّض الجسم للأذية من الكائنات الغريبة، فتهاجمها وتقضي عليها.
أقسام الجهاز المناعي
يقسم الجهاز المناعي إلى قسمين رئيسيّين، هما:
- الجهاز المناعي الفطري (غير النوعي)
- الجهاز المناعي المُكتسب (النوعي)
وهنا يجب الإشارة إلى أن هذين الجهازين المناعيين لا ينفصلان عن بعضهما، ولا يعمل كل واحد منهما بمعزل عن الآخر، إذ ينبه الجهاز المناعي الفطري الجهاز المناعي المكتسب حول وجود كائنات غريبة تحاول إمراض الجسم، وينشط ويقوي الجهاز المناعي المكتسب الجهاز المناعي الفطري على محاربة الكائنات الغريبة ويزوده بالأجسام الضدية الضرورية للقضاء على الكائنات المُمرضة.
الجهاز المناعي الفطري
يتسم الجهاز المناعي الفطري بوجوده في الجسم منذ الولادة، وبسرعة استجابته تجاه هجوم العوامل الممرضة، وبتأثيره في جميع العوامل الممرضة على حد سواء دون أن يتخصّص في محاربة عامل ممرض معين، وبعدم امتلاكه ذاكرةً للعوامل الممرضة التي هاجمت الجسم في الماضي.
يتألف الجهاز المناعي الفطري من بعض الاستجابات الجسدية للمرض (السعال والعطاس والحمى)، ومن مجموعة من الحواجز الميكانيكية (الجلد والشعر والأهداب) والكيميائية (حموضة المعدة والمفرزات المخاطية والعَرقية، وجهاز المُتمّمة) والحيوية (ميكروبيوم الأمعاء والفم والأنف)، بالإضافة إلى نوعين رئيسيين من الخلايا المناعية:
الخلايا البالعة (البالعات):
وهي خلايا كبيرة الحجم، تنتشر على كامل مساحة الجسم. تتميز بحجمها الضخم وقدرتها على ابتلاع الكائنات الغريبة مثل الجراثيم والفطريات داخلها، ومن ثمّ إذابتها وهضمها باستخدام خمائر تفرزها. بالإضافة إلى دورها في تنظيف ساحة المعركة من بقايا الجراثيم والكريات البيضاء الميتة والنسج المُتأذية لمساعدة الجسم على الشفاء من الأذية التي تعرّض لها والنمو من جديد.
الكريات البيضاء المُحبّبة التي تُصنّف في ثلاثة أنواع:
- الكريات البيضاء المُعتدلة (العَدلات): وهي المحارب الأساسي في جهاز المناعة إلى جانب البالعات، وتكوّن 70% من الكريات البيضاء المحببة، وتهاجم كل الكائنات الممرضة بإطلاقها بروتينات وخمائر قاتلة تقضي على كل كائن غريب يحاول الدخول إلى الجسم. وتعود جُثثها الميتة أثناء المعركة مع الجراثيم المكوّن الأساسي للقيح إلى جانب الجراثيم الميتة والنسج المتأذية. تسمى بالعدلة لأنها تُرى على المجهر الضوئي عند تلوينها بالملوّنات ذات الأساس الحامضي أو القاعدي أو بمزيج بينهما.
- الكريات البيضاء الحامضية (الحمضات): تمثل المحارب الأساسي ضد الكائنات الطفيّلية مثل الديدان. وتكوّن 3% من الكريات البيض المحببة. تتلوّن الحمضات على المجهر الضوئي بالملونات ذات الأساس الحامضي.
- الكريات البيضاء الأساسية (الأساسات): تكوّن النسبة الأقل من الكريات البيض المحببة بنسبة لا تتجاوز 1%. وهي مسؤولة عن ردّات الفعل التحسّسية تجاه العوامل المحسّسة مثل غبار الطّلع ووبر الحيوانات وبعض المواد الكيميائية والغذائية. تتلوّن الأساسات على المجهر الضوئي بالملونات ذات الأساس القاعدي.
الجهاز المناعي المُكتسب
يطور الجهاز المناعي المكتسب استجابة مناعية خاصة تجاه العامل الممرض بذاته عند التعرض له داخل الجسم، إذ ينتج أجسامًا ضدية خاصة بهذا العامل المُمرض تهاجمه وتساعد الخلايا المناعية على القضاء عليه. أيضًا يملك الجهاز المناعي المكتسب ذاكرةً تمكّنه من تذكر كل عامل ممرض دخل الجسم سابقًا، وعند مقابلة هذا العامل الممرض مرة جديدة، تتحرض استجابة مناعية بسرعة تقضي على العامل الممرض فورًا قبل إحداثه مرض في الجسم. يتألف الجهاز المناعي المكتسب من نوعين أساسيين من الخلايا اللمفاوية:
- الخلايا اللمفاوية البائية B: تنشأ الخلايا البائية في نقي العظام، وتخرج منه قبل أن تنضج نحو العقد اللمفاوية، والطحال حيث تنتظر هناك حتى تتعرض إلى العوامل الممرضة، من ثم تنضج وتتحول إلى خلايا مصورية تنتج أجسامًا ضدّية نوعية لهذا العامل الممرض تساعد على القضاء عليه. وأيضًا تتحول إلى خلايا ذاكرة تعيش طويلًا تتذكر العامل الممرض.
- الخلايا اللمفاوية التائية T: تنشأ الخلايا التّائية في نقي العظام، ومن ثم تهاجر إلى غدة التّيموس التي تقع تحت عظم القص في منتصف الصدر، حيث تتعّلم التفرقة بين خلايا الجسم والخلايا الغريبة عنه. تعمل الخلايا اللمفاوية التائية على قيادة وتنظيم الاستجابة المناعية التي تقضي على العامل الممرض وتنشيط الجهاز المناعي الفطري لمحاربة الكائن الممرض، وتنبيه وإنضاج الخلايا اللمفاوية البائية على إنتاج الأجسام الضدية والخلايا الذاكرة.
كيف تعمل اللقاحات؟
ينشط الجهاز المناعي الفطري من العدلات والبالعات وجهاز المتممة عند دخول العامل الممرض إلى الجسم ويبدأ محاربته والحد من انتشاره. في ذات الوقت، يبدأ الجهاز المناعي المكتسب بجمع المعلومات حول العامل المُمرض وتنشيط الخلايا اللمفاوية البائية والتائية وإنتاج الأجسام الضدية والخلايا الذاكرة.
تحتاج هذه الاستجابة المناعية تقريبًا نحو أسبوع كامل أو أكثر حتى تكتمل، من ثم يحدث الشفاء وتتراجع أعراض المرض والتعب. تختصر اللقاحات على الجسم طريق المرض وأعراضه. إذ تحوي اللقاحات عاملًا ممرضًا ميتًا أو ضعيفًا غير قادر على إحداث المرض، لكنه قادر على تنبيه الجهاز المناعي بقسميه الاثنين ومن ثم إنتاج الأجسام الضدية وخلايا الذاكرة القادرة على حماية الجسم في المستقبل من هذا العامل الممرض إن حاول الدخول مرة أخرى. لذا من المهم أخذ جميع اللقاحات خاصة لقاح فيروس كورونا للحفاظ على صحتك سالمة وصحة جميع من حولك بخير.
كيف تحافظ على جهازك المناعي قويًا؟
يتأثر الجهاز المناعي بالكثير من العوامل، ويمكن الحفاظ على قوته ونشاطه باتباع النصائح التالية:
- الحصول على قسطٍ وافرٍ من النوم بما لا يقل عن 7 ساعات للبالغين، و8-10 ساعات للأطفال.
- تناول الكثير من الفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة والمكسرات لما تحويه من الفيتامينات ومضادات الأكسدة الضرورية لوظيفة مناعية مثالية.
- تناول الزيوت الجيدة مثل زيت الزيتون و أوميغا 3 الموجود في الأسماك لآثارها المخفضة للالتهاب.
- تناول الأطعمة المخللة والرائبة مثل اللّبن والمخلل لما تحويه من البروبيوتيك التي تقوي الجهاز المناعي الفطري.
- الإقلال من تناول الأغذية الغنية بالسكريات والمواد الصناعية والدسمة.
- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام.
- تلقي برنامج التلقيح الكامل وفق العمر المناسب.