تعتبر السمنة في مرحلة الطفولة تهديدًا خطيرًا لصحة الأطفال ومستقبلهم، لأنها تعرضهم لزيادة خطر الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة، كما أن المشاكل الصحية التي تسببها السمنة في الطفولة قد تستمر حتى البلوغ، ولا تسبب ضررًا بالصحة الجسدية فقط، بل إن الأطفال والمراهقين البدينين قد يعانون من الاكتئاب وقلة الثقة بالنفس. لذلك يجب الانتباه على مخاطر السمنة عند الأطفال.
إحصائيات هامة حول السمنة عند الأطفال
تزايدت معدلات السمنة بين الأطفال حول العالم في السنوات الأخيرة، إذ تقدر إحصائيات منظمة الصحة العالمية إصابة 38.3 مليون طفل تحت عمر الخامسة بالبدانة، و340 مليون طفل بين عمر 5 – 18 سنة، بينما يرتفع الرقم عند البالغين إلى نحو ملياري إنسان في العالم.
وبحسب التصنيف الذي تعتمده نفس المنظمة، فإن الشخص يكون بدينًا عندما يتجاوز مشعر كتلة الجسم BMI ثلاثين أو أكثر، ويمكن تحديد مشعر كتلة الجسم عن طريق تقسيم وزن الجسم بالـ كجم على مربع الطول بالمتر.
تصنيف منظمة الصحة العالمية لمشعر كتلة الجسم Body Mass Index:
- وزن منخفض: BMI أقل من 18.5.
- وزن مثالي: BMI بين 18.5 – 24.9.
- وزن زائد: BMI بين 25 – 29.9.
- بدانة: BMI أكثر من 30.
أسباب السمنة عند الأطفال
من أهم أسباب السمنة عند الأطفال العوامل الوراثية والحالة النفسية ونمط الحياة اليومي، فالنظام الغذائي غير الصحي والغني بالدهون والسكريات مثل الوجبات السريعة والحلوى والمشروبات الغازية عالية الطاقة يؤدي إلى زيادة الوزن بسرعة. تقترح الدراسات الحديثة أن السبب الرئيسي للبدانة يتمثل باجتماع النمط الغذائي غير الصحي مع قلة النشاط الفيزيائي اليومي، لأن عدم القيام بما يكفي من التمارين الرياضية والنشاط الفيزيائي قد يكون سببًا إضافيًا للبدانة عند الأطفال لا يمكن تجاهله، وتوصي الجمعية الأمريكية لأمراض القلب والأوعية بممارسة 150 دقيقة من النشاط الفيزيائي المعتدل أسبوعيًا أو 75 دقيقة من النشاط الفيزيائي الشديد. لا يمكن أيضًا إهمال دور الحالة النفسية التي قد تساهم في بدانة الأطفال، لأن القلق والملل والاكتئاب والتوتر كلها عوامل تدفع الطفل لزيادة الأكل للتغلب على المشاعر السلبية.
من هم أكثر الأطفال عرضة للسمنة؟
تشمل القائمة التالية أكثر العوامل المؤهبة لبدانة الأطفال:
- استهلاك كميات كبيرة من الأطعمة والمشروبات الغنية بالسكر والدهون المهدرجة.
- تناول كميات قليلة من الفواكه والخضراوات.
- الكسل وقلة النشاط الفيزيائي اليومي.
- قضاء وقت طويل في نشاطات معينة مثل مشاهدة التلفاز وألعاب الفيديو وغيرها من النشاطات التي لا تساهم في حرق السعرات الحرارية.
- العيش في بيئة أو عائلة لا تدعم الطعام الصحي والنشاط الفيزيائي.
- عوامل وراثية وعائلية تؤهب للبدانة.
- نقص التوعية والمعلومات حول الأساليب السليمة للتغذية.
مشاكل هرمونية وأمراض وراثية مثل متلازمة برادر-ويلي (مرض وراثي سببه خلل في عمل جين معين على الصبغي 15 يبدأ في الطفولة، ويعاني المصابون به من جوع مستمر، ما يؤدي إلى البدانة والإصابة بالسكري من النمط الثاني) ومتلازمة كوشينغ (هي حالة مرضية يُتنج فيها الجسم كمية كبيرة من هرمون الكورتيزول).
مخاطر السمنة عند الأطفال
ترتبط البدانة عند الأطفال بعدد كبير من الأمراض منها: داء السكري وأمراض القلب والأوعية والربو وأمراض الكبد وحصيات المرارة وعدم تحمل الجلوكوز ومقاومة الأنسولين واضطرابات الدورة الشهرية والقلس المعدي المريئي، وجميعها أمراض كانت تصيب البالغين فقط أما الآن فقد انتشرت بين الأطفال بشكل غير مسبوق، كما أن البدانة في الصغر عامل خطورة مهم للإصابة بأمراض مزمنة تظهر مع التقدم بالعمر، لكن من جانب آخر يمكن الوقاية من معظم تلك الأمراض بإنقاص الوزن والعودة لوزن جسم مثالي.
داء السكري
السكري من النمط الثاني هو حالة مرضية لا يستطيع فيها الجسم استقلاب الغلوكوز جيدًا، وقد يؤدي سكر الدم غير المضبوط إلى القصور الكلوي وأمراض في العين والأعصاب والأوعية. تساهم زيادة الوزن عند الأطفال والبالغين في الإصابة بداء السكري من النمط الثاني، لكن الخبر الجيد أن هذه الحالة قد تكون عكوسة إذا قمنا بتغيير نظامنا الغذائي وتعديل نمط حياتنا وصولًا لوزن طبيعي.
أمراض القلب والأوعية
يؤدي تناول الأطعمة المالحة والغنية بالدهون إلى ارتفاع الضغط الشرياني والكولسترول، والتي بدورها تزيد خطورة الإصابة بأمراض القلب عند الأطفال الذين يعانون من البدانة، وتعد الذبحة القلبية والسكتة الدماغية من الاختلاطات المحتملة لأمراض القلب والأوعية على المدى الطويل.
الربو
الربو هو حالة التهابية تحسسية مزمنة في الطرق التنفسية الرئوية. يمكن أن يحدث الربو بالاشتراك مع البدانة، ولكن الباحثين غير واثقين تمامًا عن سبب ارتباط هاتين الحالتين معًا، ووفقًا للعديد من الأبحاث فإن 38% من الأشخاص المصابين بالربو في الولايات المتحدة الأمريكية يعانون من البدانة، وقد تكون البدانة عامل خطر للإصابة بربو أكثر شدةً عند بعض المرضى وليس جميعهم.
مشاكل النوم
قد يعاني الأطفال والمراهقون البدينون من مشاكل في النوم مثل الشخير وتوقف التنفس أثناء النوم، لأن وجود دهون زائدة في الرقبة إلى إغلاق الطرق الهوائية والضغط عليها، وللبدانة دور هام في زيادة ساعات النوم أثناء النهار والتعب حتى عند الأشخاص الذين ينامون طوال الليل دون انزعاج.
آلام العضلات والمفاصل
يعاني الأطفال البدينون من صلابة وألم وتحدد في حركة المفاصل خاصة عند حمل أشياء ثقيلة. تؤثر البدانة بشكل رئيسي على مفاصل الورك والركبة، إذ يُطبق كل باوند من وزن الجسم أربعة إلى ستة باوند من الضغط على مفصل الركبة، وقد يساعد إنقاص الوزن في الكثير من الأحيان بتخفيف الآلام المفصلية أو حتى اختفائها نهائيًا.
تأثيرات اجتماعية وعاطفية
بالإضافة إلى المساهمة في العديد من الأمراض الجسدية تؤثر البدانة على الوضع العاطفي والاجتماعي والنفسي عند الأطفال والمراهقين. لقد أظهرت العديد من الدراسات أن الطفل البدين هو الأقل قبولًا اجتماعيًّا في مرحلة الطفولة، إذ غالبًا ما يتعرض الأطفال البدينون للمضايقة والتنمر بسبب وزنهم أو شكلهم، بالإضافة إلى التهميش الاجتماعي والتمييز، وقد يُستبعد هؤلاء من النشاطات الفيزيائية خاصة تلك التي تتطلب لياقة بدنية لأنهم يكونون بطيئين ولا يملكون نفسًا طويلًا، وذلك كله يؤثر على ثقة الطفل بنفسه واحترامه لذاته ويترك أبلغ الأثر على نفسية الطفل ووضعه الاجتماعي والعاطفي.
تأثيرات تعليمية وأكاديمية
أكدت العديد من الدراسات وجود تأثيرات سلبية للبدانة في مرحلة الطفولة على التحصيل العلمي والأكاديمي، وأثبتت الأبحاث أن الأطفال البدينين يعانون من مشاكل وصعوبات في الدراسة أربع مرات أكثر من أقرانهم ذوي الوزن الطبيعي، كما أنهم أكثر عرضة للتغيُّب عن المدرسة خاصة أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري أو الربو والتي بدورها تؤثر على أدائهم الدراسي وتحصيلهم الأكاديمي.
خاتمة..
يمكن التقليل من مشكلة البدانة في مرحلة الطفولة إذا ركزنا على الأسباب قبل النتائج، فهناك العديد من العوامل التي تلعب دورًا في حدوث البدانة على رأسها اجتماع نظام غذائي غير صحي مع نشاط فيزيائي منخفض، ولذلك فإنَّ كل ما يتعلمه الأطفال في المنزل والمدرسة حول الطعام الصحي وممارسة الرياضة والقيام بالخيارات الغذائية الصحيحة سيؤثر في النهاية إيجابيًّا على نواحي حياتهم المختلفة، والتركيز على كل هذه الأسباب سيؤدي في النهاية إلى الحد من البدانة في الطفولة ويقودنا إلى تكوين مجتمع صحي بأكمله.