رغم التقدم العلمي الهائل والتطور التقني الكبير الذي شهدته الاختصاصات العلمية والطبية، لا يزال الجسد البشري يحمل في داخله الكثير من الأسرار التي تدهشنا في كل يوم، وقد يكون الإنسان الذي عرف الكثير عن الكون والطبيعة لا يزال غير محيط بكل خفايا جسمه. سنستعرض في المقالة التالية مجموعة معلومات صحية متنوعة:
ذاكرة الدماغ البشري ضخمة للغاية
يتكون الدماغ من نحو مليار خلية عصبية، تسمى العصبونات، ولو كان كل عصبون يخزن جزءًا من الذاكرة لبلغت السعة الكلية لذاكرتنا عدة جيجابايت فقط وامتلأت بأسرع مما نتصور، لكن الذكريات تخزن في الاتصالات بين العصبونات التي تسمى المشابك العصبية، إذ يستطيع كل عصبون تشكيل ما لا يقل عن 1000 مشبك مع العصبونات المجاورة له، ليصبح العدد أكثر من تريليون مشبك في كامل الدماغ. يرفع هذا الأمر من قدرتنا التخزينية إلى حجم هائل يقدر بنحو 2.5 – 4 بيتا بايت (البيتا بايت = 1000000000000000 بايت) تكفي هذه المساحة الضخمة لتخزين أكثر من ثلاثة ملايين ساعة فيديو. تنقسم الذاكرة البشرية إلى قصيرة وطويلة الأمد، وبالإضافة لحجمها الكبير فإنَّ تنظيم ذاكرتنا وطرق حفظها وتثبيتها لا يقل تعقيدًا عن سعتها الهائلة.
تُصنف جراثيم الأمعاء كعضو من أعضاء جسم الإنسان
يشير مصطلح الميكروبيوم Microbiome إلى مجموعة الكائنات الحية الدقيقة من جراثيم وفيروسات وفطور وغيرها، والتي تعيش في الجسم البشري (أهمها الجراثيم التي تعيش في الأمعاء). يُطلق على مجموع هذه الكائنات أيضًا اسم الجينوم البشري الثاني بسبب تأثيرها المباشر على كل وظائف الجسم. صنف العلماء في عام 2020 ميكروبيوم الأمعاء كعضو حي مستقل من أعضاء الجسم مثله مثل الكبد والدماغ، وله وظائفه الخاصة ونشاطه الاستقلابي ودوره المناعي المميز.
يصل وزن هذا العضو الجديد إلى نحو 2 كيلو غرام، ويبلغ عدد الكائنات الدقيقة المكونة له عشرة أضعاف عدد الخلايا المكونة للجسم البشري، (100 تريليون كائن حي) تشمل أكثر من 5 آلاف نوع من الجراثيم والكائنات الحية الدقيقة المتنوعة. يمتد الميكروبيوم ليشمل أيضًا كلًا من الفم، والأنف، والجلد، والمهبل، لكن الأمعاء تمثل البيئة الأساسية الأكثر تنوعًا وحيوية. يملك ميكروبيوم الأمعاء وظائف مناعية واستقلابية وله دور أساسي في عملية امتصاص المغذيات من الطعام وتصنيع الأنزيمات والفيتامينات كفيتامين D والنواقل العصبية كالسيروتونين.
تلعب الجينات الدور الأساسي في تحديد عمر الإنسان
تضعف قدرة خلايا الجسم على التجدد والانقسام مع التقدم في العمر. تملك الخلايا داخل نواتها بنية خاصة تتوضع في نهاية كل صبغي تسمى الجسيمات الطرفية Telomeres تعمل هذه الجسيمات على تنظيم عدد المرات التي تنقسم فيها الخلية، وفي كل مرة تنقسم فيها الخلية ينقص طول الجسيم الطرفي قليلًا حتى يصل إلى طول معين لا تستطيع بعده الخلية الانقسام ومن ثم تموت. تشير الكثير من الدراسات إلى أن طول الجسيمات الطرفية يؤثر بشكل مباشر على عمر الخلايا والجسم ككل، ويتأثر هذا الطول بالكثير من العوامل الفيزيائية كالأشعة، والكيميائية كالأدوية، والنفسية مثل التوتر والقلق، والحيوية مثل النوم والطعام. ويؤدي قصر طول الجسيمات الطرفية إلى انخفاض معدل انقسام الخلايا وقدرتها على التجدد ومن ثم الإسراع في شيخوخة الجسد والموت.
تشارك الرئتان في إنتاج الدم إلى جانب نقي العظم
تنتج الخلايا الجذعية الموجودة في نقي العظام مكونات الدم من الكريات الحمراء، والبيضاء، والصفيحات. تحدث هذه العملية عند البالغين في نهايات العظام الطويلة والفقرات والأضلاع والجمجمة، ولطالما كنا نعتقد أن إنتاج هذه المكونات الرئيسية الثلاثة يقتصر على نقي العظام. لكن العلماء اكتشفوا حديثًا أن الرئتين تساهمان أيضًا في إنتاج مكونات عديدة من الدم وخصوصًا الصفيحات الدموية الضرورية جدًا لتخثر الدم وإيقاف النزف.
يعمل الجهاز المناعي باستمرار وليس في أوقات المرض فقط
يدافع جهازك المناعي عن الجسم طوال الوقت، وليس فقط في أوقات المرض عندما تشعر بالتعب وتعاني ارتفاعًا في الحرارة وبعض السعال والألم، إذ تحاول الكائنات الحية الدقيقة مثل الجراثيم والفيروسات والفطور الدخول إلى الجسم والسيطرة على خلاياه طوال الوقت، لأنها موجودة في كل مكان، لكن الجهاز المناعي يكتشفها ويحبط أي محاولة لها في التكاثر وإمراض الجسم. إذا كنت لا تصاب بالمرض فهذا دليل على أن جهازك المناعي قوي ونشيط ويعمل بشكل جيد، ولا يعني نهائيًا أن جسمك لا يتعرض للعوامل المُمرضة. لا يتوقف الدور الذي يمارسه الجهاز المناعي على محاربة الجسيمات الغريبة من الخارج فقط، لكنه يبحث في الداخل أيضًا عن أي خلية سرطانية شاذة تحاول الانقسام وتشكيل ورم سرطاني، لأن نمو ورم سرطاني يعتبر فشلًا للجهاز المناعي في أداء وظيفته، في الحقيقة يقتل الجهاز المناعي في كل يوم خلية سرطانية واحدة على الأقل لو تُركت لأصبحت ورمًا خبيثًا!
تساهم ميكانيكا الكم في حاسة الشم
تتعامل نظرية ميكانيكا الكم الفيزيائية مع مكونات الذرة من الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات وجميع الجزيئات الأخرى تحت الذرية، وهي نظرية بالغة التعقيد والدقة حتى أن عالم الفيزياء الشهير نيلز بور قال مرة في وصفها: «إن لم تسبب لك نظرية ميكانيكا الكم الضياع، فأنت لم تفهمها بعد». لكن المثير للدهشة أنَّ العلماء اكتشفوا مؤخرًا أن هذه النظرية المعقدة تمثل حجر أساس في تفسير طريقة عمل حاسة الشم التي نتمتع بها وفي قدرتنا على تمييز الروائح المتنوعة بآلية معقدة للغاية، وتُجرى الآن الكثير من الدراسات لبحث دور ميكانيكا الكم في حواسنا الأخرى كالرؤية والتذوق واللمس.
الدماغ لا يشعر بالألم
يستخدم جسدنا المستقبلات الألمية Nociceptor للإحساس بالألم الذي ينتقل على شكل إشارات كهربائية عبر الأعصاب إلى الدماغ ليُفسَّر هناك على شكل إحساس بالألم. لكن الغريب أن الدماغ هو العضو الوحيد في الجسم الذي لا يملك أي مستقبلات ألمية، ويمكن أن تُجرى بعض العمليات الجراحية على الدماغ من دون تخدير للمريض، وتسمى هذه العملية بجراحة الدماغ خلال اليقظة Awake brain surgery، وتطبّق في بعض حالات الأورام الدماغية والنوبات الصرعية لما تحمله من فائدة لتجنب إيذاء النسج الهامة عبر التواصل بين الجرَّاح والمريض في أثناء العملية.
الجسم البشري يصدر الضوء
تطلق أجسادنا الضوء بصورة مشابهة للعديد من الكائنات الحية الأخرى في الطبيعة. تسمى هذه الظاهرة بالتألق الحيوي Bioluminescence وتنتج عن التفاعلات الكيميائية داخل الخلايا التي تحدث خلال عملية الاستقلاب واستهلاك الطاقة. تشتد إضاءة جسدنا مع بداية اليوم وازدياد استهلاكنا للطاقة، بينما تقل في الليل وفي أثناء النوم مع انخفاض النشاط الفيزيائي للجسم. لا نستطيع أن نرى بأعيننا المجردة الضوء الذي تصدره أجسادنا لأنه أضعف بنحو 1000 مرة من قدرة العين على الرؤية. يمكن التقاط هذا الضوء بكاميرات عالية الحساسية، وقد أظهرت الصور الملتقطة بهذه الكاميرات أن الرأس هو الجزء الأكثر إضاءة في كامل الجسم.