يُشكل داء السكري مشكلة صحية هامة على مستوى العالم بأسره، إذ تُقدر إحصائيات منظمة الصحة العالمية إصابة أكثر من 460 مليون شخص بداء السكري في عام 2020، وقد سبَّب داء السكري وفاة 1.5 مليون إنسان بالإضافة للوفيات الناجمة عن اختلاطاته وعقابيله طويلة الأمد، ليكون بذلك السبب السابع للوفيات.
يصيب داء السكري 10% من البالغين، لكن هذه النسبة ترتفع بشكل خطير في دول الخليج العربي أكثر من أي منطقة في العالم لتصل لنحو 20 – 25% من البالغين، ولذلك قرر وزراء الصحة في دول مجلس التعاون الخليجي تخصيص أسبوع سنوي للتوعية بداء السكري ومخاطره، يبدأ في 8 نوفمبر من كل عام.
ما هو داء السكري؟
السكري هو مرض استقلابي مزمن يحدث نتيجة عوز هرمون الأنسولين أو ضعف تأثيره، ما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم، وحدوث مضاعفات خطيرة على المدى الطويل، مثل أذية في شبكية العين والتهاب أعصاب وأذية الكليتين والجهاز القلبي الوعائي وأعضاء أخرى متعددة، بالإضافة لزيادة احتمال الوفاة المبكرة. تجدر الإشارة إلى أن ضبط سكر الدم والعلاج الفعال لداء السكري يقي من كل هذه الاختلاطات.
أنواع داء السكري
تُصنف منظمة الصحة العالمية داء السكري إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
- داء السكري من النمط الأول.
- داء السكري من النمط الثاني.
- الأنماط الأخرى لداء السكري (السكري الحملي، السكري الكاذب، عدم تحمل الغلوكوز…).
داء السكري من النمط الأول:
مرض مناعي ذاتي يهاجم فيه الجهازُ المناعي لأسباب غير واضحة بدقة الخلايا المصنعة للأنسولين في البنكرياس ويدمرها (خلايا بيتا في جزر لانغرهانس). لا يوجد حتى الآن علاج شافٍ لهذا النوع، ويشكل 10% من مجموع حالات داء السكري.
داء السكري من النمط الثاني:
ينتج هذا النوع عن مقاومة الجسم للأنسولين (نقص حساسية أنسجة الجسم للأنسولين) ما يؤدي إلى زيادة مستويات السكر في الدم، يعتبر داء السكري من النمط الثاني مرضًا استقلابيًا، لأن 60% من المرضى يعانون من البدانة أو عوامل مؤهبة أخرى.
الأنماط الأخرى لداء السكري:
من الأنواع الأخرى الأقل شيوعًا لداء السكري:
- السكري الحملي: تحدث هذه الحالة عند ارتفاع سكر الدم في أثناء الحمل نتيجة تأثير بعض المواد والهرمونات المثبطة للأنسولين التي تفرزها المشيمة، وعادةً ما تعود مستويات السكر لطبيعتها بعد الولادة.
- ما قبل السكري: ترتفع مستويات سكر الدم أكثر من الحد الطبيعي لكنها غير كافية لتشخيص داء السكري من النمط الثاني، تُعرف هذه الحالة أيضًا بعدم تحمل الغلوكوز.
- السكري الكاذب: حالة نادرة لا علاقة لها بداء السكري تحدث عندما تطرح الكلية كميات كبيرة من السوائل خارج الجسم ما يؤدي لارتفاع كاذب لمستويات سكر الدم عند قياسها.
أعراض داء السكري
تنتج أعراض داء السكري عن ارتفاع مستويات السكر في الدم، وتختلف هذه الأعراض بحسب نوع السكري وشدته، ومن أهمها: عطش مستمر، زيادة في مرات التبول، فقدان وزن غير مفسر، اضطرابات في الرؤية، تعب ووهن عام وتبدلات في المزاج، التهابات متكررة، ضعف في تندب الجروح والقروح. تجدر الإشارة إلى أن معظم النساء المصابات بالسكري الحملي لا تظهر عليهن أي أعراض، ويُكتشف عادةً عبر تحليل الدم الروتيني أو اختبار تحمل الغلوكوز الفموي الذي يُجرى بين الأسبوع 24 و28 من الحمل، وفي حالات نادرة يمكن أن تعاني المرأة من عطش أو زيادة في عدد مرات التبول.
الأسباب والعوامل المؤهبة لداء السكري
تختلف الأسباب والعوامل المؤهبة لداء السكري باختلاف النوع، فمثلًا لا يوجد سبب محدد معروف للإصابة بداء السكري من النمط الأول، رغم أن بعض الباحثين اقترحوا أن بعض أنواع الإصابات الفيروسية قد تكون هي الشرارة الأولى التي تحرض جهاز المناعة على مهاجمة خلايا بيتا في جزر لانغرهانس في البنكرياس، أما بالنسبة لداء السكري من النمط الثاني فهو يحدث نتيجة اجتماع عوامل بيئية ووراثية مختلفة، ويحدث السكري الحملي نتيجة تغيرات هرمونية تحدث أثناء الحمل، إذ تفرز المشيمة هرمونات تقلل من حساسية خلايا الجسم للأنسولين مما يؤدي إلى ارتفاع سكر الدم في أثناء الحمل.
تزيد بعض العوامل من احتمال إصابتك بداء السكري (عوامل خطورة أو عوامل مؤهبة) ومن أهمها: وجود قريب من الدرجة الأولى مصاب بالسكري، البدانة، ارتفاع ضغط الدم الشرياني والكولسترول والشحوم الثلاثية، بالإضافة لنمط الحياة الذي يتميز بقلة النشاط الفيزيائي اليومي والغذاء غير الصحي. وتزيد فرص إصابة النساء بالسكري الحملي في حالة البدانة، أو إصابة في حمل سابق، أو ولادة سابقة لطفل يزن أكثر من 4 كغ، أو وجود قصة عائلية لداء السكري من النمط الثاني، أو وجود قصة للإصابة بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات.
اختلاطات داء السكري وتأثيراته طويلة الأمد
تُؤدي مستويات السكر المرتفعة إلى أذيات متعددة في أعضاء الجسم، وكلما ارتفع مستوى سكر الدم لديك وطالت مدة تعايشك معه زاد خطر إصابتك بمضاعفاته والتي تتضمن: أمراض القلب والأوعية بما في ذلك النوبات القلبية والسكتات الدماغية، واعتلال الأعصاب المتعدد، واعتلال الكلية، واعتلال الشبكية وفقدان البصر، والإصابة بالتهابات متكررة وقروح صعبة الالتئام، وزيادة الأمراض الجلدية مثل الالتهابات البكتيرية والفطرية، بالإضافة لذلك يؤهب داء السكري غير المعالَج للإصابة بعدد من الأمراض والاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق.
ومن الاختلاطات الشائعة التي يسببها السكري الحملي غير المضبوط: ولادة مبكرة، ولادة الطفل بوزن زائد أكثر من المعدل الطبيعي، انخفاض سكر الدم عند الطفل، يرقان، ولادة جنين ميت، أما تأثيراته على الأم فتتمثل بارتفاع الضغط الدموي والإصابة بداء السكري من النمط الثاني بعد الولادة أو مع التقدم بالعمر.
علاج داء السكري
يلجأ الأطباء لطرق مختلفة لعلاج السكري بحسب نوع المرض وشدته، ويمكن تقسيم علاجات داء السكري لثلاثة أنواع: الأنسولين وخافضات السكر الفموية وتعديل نمط الحياة.
يُعتبر الأنسولين العلاج الرئيسي لداء السكري من النمط الأول، وهو بديل صناعي عن هرمون الأنسولين الذي لا يستطيع الجسم تصنيعه. يمكن استخدام الأنسولين أيضًا لعلاج داء السكري من النمط الثاني عندما تكون مستويات سكر الدم مرتفعة ولا يمكن ضبطها باستخدام الأدوية الفموية بمفردها. للأنسولين عدة أنواع تختلف في سرعة ومدة تأثيرها، ويقوم الطبيب المختص بتحديد الجرعة وطريقة الاستعمال المناسبة لكل مريض اعتمادًا على حالته.
تتوفر العديد من خافضات السكر الفموية التي تُستخدم خصوصًا لعلاج النمط الثاني من داء السكري، تختلف آلية عمل وتأثير هذه الأدوية فبعضها يُحرض البنكرياس على زيادة إفراز الأنسولين مثل مركبات السلفونيل يوريا (غليبيزيد)، وبعضها يزيد حساسية أنسجة الجسم للأنسولين ويقلل إنتاج الغلوكوز من الكبد مثل الميتفورمين، بالإضافة لأنواع أخرى أقل استخدمًا.
بالإضافة للعلاجات السابقة، يتطلب الضبط الجيد لسكر الدم تعديل نمط الحياة من خلال خطوات عديدة مثل:
- حمية غذائية مناسبة ونظام غذائي متوازن ومتنوع.
- الحفاظ على وزن مثالي.
- نشاط فيزيائي منتظم.
يجب على مريض السكري أيضًا مراقبة مستويات سكر الدم بشكل دائم، وإجراء فحوص دورية لجميع أجهزة الجسم، والالتزام بنصائح وتوصيات الطبيب المشرف على حالته.